سورة آل عمران - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{إذ همَّت طائفتان منكم} بنو سَلِمة وبنو حارثة {أن تفشلا} أَنْ تجبنا، وذلك أنَّ هؤلاء همُّوا بالانصراف عن الحرب، فعصمهم الله {والله وليُّهما} ناصرهما وموالٍ لهما {وعلى الله فليتوكل} فليعتمد في الكفاية {المؤمنون}.
{ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلَّةٌ} بقلَّة العدد وقلَّة السِّلاح {فاتقوا الله لعلكم تشكرون} أَيْ: فاتقونِ فإنه شكر نعمتي.
{إذ تقول للمؤمنين} يوم بدرٍ: {ألن يكفيكم أَنْ يمدَّكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}.
{بلى} تصديقٌ لوعد الله {إن تصبروا} على لقاء العدوِّ {وتتقوا} معصية الله ومخالفة النبيِّ عليه السَّلام {ويأتوكم من فورهم} قيل: من وجههم: وقيل: من غيظهم {يمددكم ربكم بخسمة آلاف من الملائكة مسوِّمين} مُعلَّمين، وكانت الملائكة قد سوِّمت يوم بدر بالصُّوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها، ثمَّ صبر المؤمنون يوم بدر فأُمدّوا بخمسة آلاف من الملائكة.
{وما جعله الله} أَيْ: ذلك الإِمداد {إلاَّ بشرى} أَيْ: بشارةً لكم {ولتطمئن قلوبكم به} فلا تجزع من كثرة العدو {وما النصر إلاَّ مِنْ عند الله} لأنَّ مَن لم ينصره الله فهو مخذولٌ وإنْ كثرت أنصاره.
{ليقطع طرفاً} أَيْ: نصركم ببدرٍ ليقطع طرفاً، أي: ليهدم ركناً من أركان الشِّرك بالقتل والأسر {أو يكبتهم} أَيْ: يخزيهم ويُذلَّهم. يعني: الذين انهزموا. قوله: {ليس لك من الأمر شيء...} الآية. لمَّا كان يوم أُحدٍ من المشركين ما كان من كسر رباعيَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشجِّه، فقال: كيف يفلح قومٌ خضبوا وجه نبيِّهم وهو يدعوهم إلى ربِّهم؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية يُعلمه أنَّ كثيراً منهم سيؤمنون، والمعنى: ليس لك من الأمر في عذابهم أو استصلاحهم شيءٌ، حتى يقع إنابتهم أو تعذيبهم، وهو قوله: {أو يتوب عليهم أو يعذبهم} فلمَّا نفى الأمر عن نبيِّه عليه السَّلام ذكر أنَّ جميع الأمر له، فمَنْ شاء عذَّبه، ومن شاء غفر له، وهو قوله: {ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء} أَي: الذَّنب العظيم للموحِّدين {ويعذّب من يشاء} يريد: المشركين على الذَّنب الصَّغير {والله غفورٌ} لأوليائه {رحيمٌ} بهم.


{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا...} الآية. هو أنَّهم كانوا يزيدون على المال ويؤخِّرون الأجل، كلَّما أُخرِّ أجلٌ إلى غيره زِيد في المال زيادةٌ {لعلكم تفلحون} لكي تسعدوا وتبقوا في الجنَّة.
{واتقوا النَّار} بتحريم الرِّبا وترك الاستحلال له {التي أعدَّت للكافرين} دون المؤمنين.
{وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم} أَي: الإِسلامِ الذي يوجب المغفرة. وقيل: إلى التَّوبة، وقيل: إلى أداء الفرائض {وجنَّة عرضها السموات والأرض أُعدّت} لكلِّ واحدٍ من أولياء الله.
{الذين ينفقون في السراء والضرَّاء} في اليسر والعسر، وكثرة المال وقلَّته {والكاظمين الغيظ} الكافيِّن غضبهم عن إمضائه {والعافين عن الناس} أيْ: المماليك وعمَّنْ ظلمهم وأساء إليهم {والله يحبُّ المحسنين} الموحِّدين الذين فيهم هذه الخصال.
{والذين إذا فعلوا فاحشة} أَي: الزِّنا، نزلت في نبهان التَّمَّار أتته امراةٌ حسناء تبتاع منه التمر، فضمَّها إلى نفسه وقبَّلها، ثمَّ ندم على ذلك فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية، وقوله: {أو ظلموا أنفسهم} يعني: ما دون الزِّنا من قُبلةٍ، أو لمسةٍ، أو نظرٍ {ذكروا الله} أيْ: ذكروا عقاب الله {ولم يُصرُّوا} أَيْ: لم يقيموا ولم يدوموا {على ما فعلوا} بل أقرُّوا واستغفروا {وهم يعلمون} أنَّ الذي أوتوه حرامٌ ومعصية.
{قد خلت من قبلكم سننٌ} قد مضت مني فيمن كان قبلكم من الأمم الكافرة سننٌ بإمهالي إيَّاهم، حتى يبلغوا الأجل الذي أجَّلته في إهلاكهم، وبقيت لهم آثارٌ في الدُّنيا فيهم أعظم الاعتبار. {فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة} آخرُ أمرِ {المُكذِّبين} منهم: نزلت في قصَّة يوم أُحدٍ. يقول الله: فأنا أُمهلهم حتَّى يبلغ أجلي الذي أجَّلْتُ في نصرة النبيِّ عليه السَّلام وأوليائه، وإهلاك أعدائه.
{هذا بيانٌ للناس} أي: القرآن بيانٌ للنَّاس عامَّة {وهدىً وموعظة للمتقين} خاصَّة وهم الذين هداهم الله بفضله.


{ولا تهنوا} ولا تضعفوا عن جهاد عدوِّكم بما نالكم من الهزيمة {ولا تحزنوا} أَيْ: على ما فاتكم من الغنيمة {وأنتم الأعلون} أَيْ: لكم تكون العاقبة بالنَّصر والظَّفر {إن كنتم مؤمنين} أَيْ: إنَّ الإِيمان يُوجب ما ذكر من ترك الوهن والحزن.
{إن يمسسكم} يصبكم {قرحٌ} جراحٌ وألمها يوم أُحدٍ {فقد مسَّ القوم} المشركين {قرحٌ مثله} يوم بدرٍ {وتلك الأيام} أَيْ: أيَّام الدُّنيا {نداولها} نُصرِّفها {بين الناس} مرَّةً لفرقةٍ ومرَّةً عليها {وليعلم الله الذين آمنوا} مُميَّزين بالإٍيمان عن غيرهم. أَيْ: إِنَّما نجعل الدَّولة للكفَّار على المؤمنين ليميَّز المؤمن المخلص ممَّن يرتدُّ عن الدِّين إذا أصابته نكبة، والمعنى: ليعلمهم مشاهدةً كما علمهم غيباً {ويتخذ منكم شهداء} أَيْ: ليكرم قوماً بالشَّهادة {والله لا يحبُّ الظالمين} أَي: المشركين، أَيْ: إنَّه إنما يُديل المشركين على المؤمنين لما ذُكر؛ لا لأنَّه يحبُّهم.
{وليمحص الله الذين آمنوا} أَيْ: ليخلِّصهم من ذنوبهم بما يقع عليهم من قتلٍِ وجرحٍ وذهاب مال {ويمحق الكافرين} يستأصلهم إذا أدال عليهم: يعني: أنه يُديل على المؤمنين لما ذُكر، ويُديل على الكافرين لإِهلاكهم بذنوبهم.
{أم حسبتم} بل أحسبتم: أَي: لا تحسبوا {أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله...} الآية: أَيْ: ولمَّا يقع العلم بالجهاد مع العلم بصبر الصَّابرين، والآية خطابٌ للذين انهزموا يوم أُحدٍ. قيل لهم: أحسبتم أن تدخلوا الجنَّة كما دخل الذين قُتلوا وثبتوا على ألم الجرح والضَّرب من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم؟!
{ولقد كنتم تمنون الموت} كانوا يتمنَّون يوماً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقولون: لنفعلنَّ ولنفعلنَّ، ثمَّ انهزموا يوم أُحدٍ، فاستحقُّوا العقاب، وقوله: {من قبل أن تلقوه} أَيْ: من قبل يوم أحدٍ {فقد رأيتموه} رأيتم ما كنتم تتمنُّون من الموت، أَيْ رأيتم أسبابه ولم تثبتوا مع نبيّكم. نزلت في معاتبة الرسول إياهم، فقالوا: بلغنا أنَّك قد قُتلْتَ لذلك انهزمنا {وأنتم تنظرون} وأنتم بُصراءُ تتأمَّلون الحال في ذلك كيف هي، فَلِمَ انهزمتم؟
{وما محمدٌ إلاَّ رسول قد خلت من قبله الرسل} أَيْ: يموت كما ماتت الرُّسل قبله {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ارتددتم كفَّاراً بعد إيمانكم، وذلك لمَّا نُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحدٍ وأُشيع أنَّه قد قُتل قال ناس من أهل النِّفاق للمؤمنين: إن كان محمد قد قُتل فالحقوا بدينكم الأوَّل، فأنزل الله تعالى هذه الآية. {ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً} أَيْ: فإنما يضرُّ نفسه باستحقاق العذاب {وسيجزي الله} بما يستحقون من الثَّواب {الشاكرين} الطَّائعين لله من المهاجرين والأنصار، ثمَّ عاتب المنهزمين.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12